أسيل في بلاد المخيمات

أسيل في بلاد المخيمات
- قصة قصيرة -

ـ اصمت ولا تتكلم.. ألا تدري ان المكان مسكون بالأشباح؟
قالتها اسيل بصوت خفيض وسبابتها تلتصق بشفتيها المنقبضتين
ـ هذه العليّة لم تكن علية في ما مضى.. كانت غرفة عمو مازن.. عمو الذي علقت صورته في غرفة المعيشة.. لكن من يوم ما مزق الصاروخ جسده في احدى معارك تلك الحرب فان العلية مهجورة.. غرفة عمو مازن أصبحت مهجورة الا من هذه الكراتين
هل تحتاجون العليات عندكم؟ لا اظن..نعم نعم.. لقد اخبرْتًني من قبل.. انكم تضعون الاغراض في الحقل تحت الفطر العملاق الذي يحميها من المطر والشمس.. اما نحن هنا فلا نرى الشمس جيدا.. لو انك تأتي في الشتاء فسترى بقع العفن الاسود تملأ الجدران.. والريح... يا ويلي.. لا شك انك ستبرد كثيرا من الهواء الذي يخترق البيت من جميع النواحي
*******
ـ أسيل...أين انت يا أسيل؟
قالها النداء القادم من الحجرة السفلية
ـ اسمع! امي تنادي ولا وقت عندي.. يجب ان انتهي الآن من سرد ما احتاجك فيه.. لنبدأ بأعواد الملوخية التي تغلق مجرور الصرف الصحي.. ارجو منك ان تخفيها كلها للابد.. ثم هنالك قشر البطيخ والرائحة الكريهة التي يملأ بها المكان.. ارجو منك ان تخفيه من على وجه الأرض وترش المكان بملطف جو.. برائحة الليمون من فضلك.. أبي يقول ان جدي قال له ان رائحته لم تكن تنقطع في بيتنا الجميل في يافا.. ثم ماذا؟ هناك ايضا الرائحة المنبعثة من مزرعة الدواجن.. يا لطيف! ارجو منك تستخدم عصاك السحرية في ازالة كل الاحشاء والريش وبقايا الأرجل
*******
ـ أسيل يا ابنتي...أين انت
تردد نداء الأم المتعبة
ـ حسنا حسنا لنستعجل.. هناك ايمان بحاجة ايضا للمساعدة.. خطيبها اصبح يريد ان يعمل كهربائي سيارات وهو لا يجد عملا رغم انه اصبح من الممكن له ان يعمل.. لا ادري لماذا لم يكن قادرا على العمل.. هو ربما كان كسولا.. او يقولون انه لم يكن مسموحا له ان يعمل.. لا أدري.. لكن هو الآن يريد ان يعمل ولا يجد "كراجا" يقبل به بعد
كم هي مسكينة ايمان.. حين اكبر لن اقبل من خطيبي ان يعمل الا كطبيب.. الطبيب وظيفته محترمة وسأجعله ايضا يعالج أمي المريضة.. ثم حين نصبح أغنياء سأجعله يبني مستشفى لكل الفقراء وسيكون احسن واكبر وانظف من عيادة الوكالة.. اما انا فسأفتح دارا للايتام وروضة للاطفال وناد لمحبي الرسم مثلي.. هل تحب ان ترسم انت ايضا؟
*******
ـ أسيل...الله يرضى عليكي تعالي
تنادي الأم مع جولة سعال شديد في هذه المرة
وبعد ان اوصت أسيل ايضا بضرورة ان يكف عمو خالد صاحب الدكان المجاور عن التجهم وضرورة ان يبتسم ويحلق لحيته باستمرار نزلت على عجل ودرجت تتقدم من أمها بملامح منقبضة
ـ نعم
ـ أين انت؟ هل "طرشت"؟ الم تسمعيني انادي؟
ـ انا اسمي "اليس" وانت كنت تنادين اسيل
تبتسم الأم المريضة المستلقية الملتحفة ابتسامة مرهقة
ـ حسنا يا اليس.. الله يرضى عليكي حبيبتي قشري البطاطا وقطعيها.. واملئي المقلاة زيتا حتى اقلي البطاطا لوالدك.. المسكين اصبح على وصول ولم يأكل صباحا ولم يتعش مساء الأمس
لحسن الحظ اكتشفت اسيل او "اليس" ان لا زيت في البيت.. لو كانت قشرت البطاطا لكان الموقف صعبا... اما الآن فهناك خطة بديلة
ـ حسنا يا ابنتي...اسلقيها وسأهرسها لوالدك وسيأكلها مع رشة ملح وفلفل.. حسبنا الله ونعم الوكيل... كنت اتمنى له ان يأكل طعاما دسماً
قالتها الأم واسيل تنظر لها باشفاق
وفيما كانت اسيل تهرس البطاطا بدلا عن أمها المتعبة طلبت الأم الى ابنتها ان تكمل معروفها وتحضر ابريقا صغيرا من الشاي
عندها.. تجهم وجه اسيل وانسلت بهدوء باتجاه العلية
وهناك.. قربت الى فمها اذن دمية ارنب ابيض اللون بهت لونه بسبب طول العهد.. وقالت بصوت خفيض
ـ حسنا.. طلب أخير يا ارنب بلاد العجائب.. طلب أخير ولن ازيد عليك بعد ذلك شيئا.. نحتاج أيضا بعض السكر
*******